من الصعب ألا يجد الشخص الأمن والأمان في المكان الذي يعيش فيه، ومن الصعب أيضاً ألا يجد الشخص لقمة عيش يومه التي يسد بها جوعه، كما أنه من الصعب ألا يكسب الشخص فلساً واحداً ليتصرف به أمام احتياجات الحياة الصعبة، لكن الأصعب من ذلك كله، هو أن يجد الشخص نفسه من دون مسكن أو مأوى يحفظه من برد الشتاء وحرارة الصيف ولسان الناس.
بدأ حديثي مع امرأة تسكن الشارع تحت لهيب الشمس الحارة منذ الساعة الرابعة من فجر يوم أمس (الاثنين) بعد أن طردت من شقتها لتخلفها عن دفع الإيجار إثر عدم قدرتها على ذلك، حين استأذنتها لتسجيل رقم هاتفها النقال للتواصل معها حال استدعى الأمر. وهنا بدأت القصة بعد أن انتهيت من تسجيل الرقم. فتقول المرأة «لا تعجب من رقم هاتفي المتناسق وسهل الحفظ، فقد كنت بحالة مادية جيدة ولم أكن محتاجة لأن أمد يدي لأي أحد من الناس طلباً للعون، إلا أن المصير المحتوم الذي يفرضه القدر أوصلني إلى هذا الحال».
وتواصل المواطنة صفية أحمد حديثها وهي تتلكأ في الكلام حين كانت لا تدري من أية صفحة تبدأ من كتاب معاناتها طوال 5 أعوام من العناء والشقاء، وتقول «أنا امرأة مطلقة منذ 5 أعوام وعانيت طوال تلك الفترة من مشكلة السكن، مع العلم أنني سبق أن تقدمت بطلب للحصول على إحدى الوحدات الإسكانية التي أمر بها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة للمطلقات والأرامل، إلا أنني لم أشم حتى رائحة ذلك المسكن على رغم أنني كنت من أوائل الذين سجلوا لدى وزارة الأشغال والإسكان لذلك»، مشيرةً إلى أن «الكثير من المطلقات ممن أعرفهن حصلن على مسكن يأويهن منذ فترة».
والعجيب في الأمر أنه خلال حديثي مع صفية على رصيف الشارع أمام وزارة الأشغال والإسكان، كنت أسمع الكثير من العبارات والجمل التي تعبر عن لسان الحال الذي تعانيه صفية، إلا أن عزة النفس والقدرة على التحمل أكثر، ربما لم تسمح لها وابنتها باللجوء إلى العيش في الشارع والنوم على الرصيف، فقد مرت أم مع ابنتها لأسمعها تسأل نفسها وتقول «لا أدري... هل أسكن الشارع مع باقي أبنائي لأجد حلاً لمشكلة الإسكان ؟!». فيما قالت امرأتان وهما تدخلان الوزارة «الله في عونش... وهذا إحنا بندخل الوزارة وبنطلع... والحال نفسه ولا في فايدة من سنين».
وكانت صفية تسمع تلك العبارات وتهتم لها لكن من دون أن تنظر لمن يقولها، إذ حاولت أن تستخدم تلك العبارات في تهدئة لوعتها وإحساسها بأنها ليست الوحيدة في البحرين التي تعاني من مشكلة الإسكان، وخصوصاً أن ابنتها التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها من الصعب عليها أن تعيش مثل هذا الوضع وأمها لا حول لها ولا قوة. وتؤكد صفية أنها «راجعت الوزارة عدة مرات لكن من دون جدوى، حين يلجأ موظفو الوزارة إلى إدخالها بحجة أنها ستقابل أحد المسئولين في الوزارة، إلا أنها تنتظر لساعات طويلة من دون أن ترى أحداً، إذ اتضح أن الوزارة تهدف إلى ابعاد الصحافة والإعلام عن مشكلتها تجنباً للمزيد من الفضائح للوزارة».
الخبر